تم النشر في :

 

يكتسب التعداد السكاني الذي اكتملت الإجراءات الضرورية لانطلاقه خلال العام الحالي أهمية كبرى، ولاسيما أنه يأتي في ظل مرحلة مهمة تعيشها المملكة العربية السعودية، وتمرُّ فيها بمنعطف رئيسي في تاريخها، وهي تمضي بثبات في تنفيذ مخرجات رؤية السعودية 2030، وتعمل على استكمال مخرجاتها، والإيفاء بكل متطلباتها، وفي مقدمتها الحصول على المعلومات الموثقة والصحيحة الضرورية لعملية بناء الخطط التي تراعي التوزيع الحالي للسكان، ومعرفة متوسط الدخل، وأعمار السكان، ونسبة الشباب، ودرجة التعليم.. وغير ذلك من المعطيات الاستراتيجية التي تستعين بها السلطات المختصة لوضع الأسس التنموية التي تناسب كل منطقة، حسب وضعها ومفرداتها.

فمن المعلوم أن لكل منطقة ظروفها الخاصة التي تختلف عن بقية المناطق، وما يجدي في منطقة ما قد لا يجدي في غيرها؛ لاختلاف وتفاوت مستوى التنمية. والمشروع الذي يتناسب مع العاصمة الرياض ليس بالضرورة أن يكتسب الدرجة نفسها من الأهمية في جدة أو تبوك على سبيل المثال.

ولا يخفى على أحد الأهمية المتزايدة التي تكتسبها المعلومة في عصرنا الحالي؛ فقد أصبحت من أهم العناصر الضرورية لتشكيل الخطط التنموية، ورسم مفردات المستقبل، للدرجة التي باتت فيها أول عناصر التخطيط السليم الذي يؤدي إلى مضاعفة الإنتاج، وتحقيق النهضة المجتمعية.

وللمعلومية، فإن التعداد السكاني لا يُعنى فقط بحصر أعداد السكان، بل يشمل معرفة حصول المناطق المختلفة على نصيبها من التنمية، ومدى الحاجة للتركيز على جانب معيَّن، مثل توفير المساكن، وزيادة عدد المخططات العمرانية، أو مضاعفة عدد المدارس، أو تأسيس جامعات جديدة، أو التركيز على المرافق الخدمية، مثل المستشفيات والمراكز الصحية، ومدى الحاجة إلى وسائل النقل العام، أو إنشاء مؤسسات حكومية خدمية، وغير ذلك مما يمس حياة المواطنين بشكل عام.

كذلك فإن القيادة السعودية التي أعلنت عزمها إنشاء مشاريع تنموية عملاقة في كل منطقة من مناطق السعودية على هدي رؤية 2030 تحتاج إلى معرفة الأنماط المعيشية للسكان، والتطورات التقنية والتغيرات الاجتماعية التي تؤثر على حياتهم، والمستوى التعليمي والمؤهلات العلمية التي حصل عليها غالبية سكانها، والمهن التي يزاولونها، ونوع القطاع الاقتصادي الذي ينتمون إليه. وكل تلك المعلومات هي جزء أساسي وضروري لمعرفة نوع المشروع الذي يمكن أن يطور مستواهم المعيشي، ويشكل في الوقت ذاته القيمة الإيجابية المضافة المطلوبة.

لكل ذلك فإن التعداد المرتقب الذي أكملت الهيئة العامة للإحصاء كل متطلباته، ووفرت له القيادة جميع مقومات النجاح، سيكون له تأثير مباشر في حياة المواطنين، قد يستمر لسنوات طويلة؛ لأن الفترة الحالية في تاريخ السعودية هي فترة مفصلية كما ذكرت أعلاه.

ينبغي الإشارة بوضوح إلى أن نجاح هذه العملية الحيوية يعتمد بالدرجة الأولى على مستوى تجاوب المواطنين، وإدراكهم المسؤوليات التي عليهم، وضرورة الالتزام بتقديم المعلومات الصحيحة التي تعين صانع القرار على وضع السياسات المناسبة. فمهما بذلت الفِرق الميدانية من جهود فإنها ستكون عديمة القيمة، ولن يكون لها تأثير إيجابي إذا لم يكن هناك ارتفاع في مستوى وعي المواطن، يقوده إلى تقديم البيانات الحقيقية.

ولا تقتصر فوائد التعداد السكاني على المواطنين فقط، بل تشمل المقيمين؛ فمن خلال المعلومات الحقيقية تستطيع الدولة التعرف على الواقع الذي يعيشونه، ومعرفة الاحتياجات التي تعينهم على التحول إلى أدوات بناء إيجابية، وتحفظ في الوقت ذاته حقوقهم، وتصون مكتسباتهم، وتساعد على وضع السياسات الضرورية لحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.

هناك بطبيعة الحال من يتعمدون بث الإشاعات، وترويج الأكاذيب والخرافات في أوساط العامة والبسطاء، ومحاولة تخويفهم من الإفصاح عن المعلومات المطلوبة بذرائع وافتراءات لم تعد تنطلي على المواطن السعودي صاحب الوعي المرتفع والحس الوطني المتقدم.

واجبنا الديني والأخلاقي والوطني يحتم علينا التجاوب الكامل مع الأجهزة المختصة لإنجاز هذه المهمة التي ستنعكس نتائجها إيجابًا على حياتنا، وتؤدي بمشيئة الله إلى تسليط الضوء على الواقع الذي نعيشه، وترسم خارطة الطريق نحو تحقيق المستقبل الذي نتطلع إليه، وتعين صاحب القرار على القيام بمسؤولياته وفق معطيات صحيحة ومعلومات دقيقة؛ لتنعكس في النهاية في شكل مشاريع تنموية، تؤدي لتحقيق نهضة مجتمعية، تغيّر شكل حياتنا للأفضل، وتفتح آفاق المستقبل لأجيالنا القادمة على مصراعيها.